روائع مختارة | واحة الأسرة | قضايا ومشكلات أسرية | آثار أفلام الكرتون على أطفالنا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > قضايا ومشكلات أسرية > آثار أفلام الكرتون على أطفالنا


  آثار أفلام الكرتون على أطفالنا
     عدد مرات المشاهدة: 2100        عدد مرات الإرسال: 0


بسم الله الرحمن الرحيم

الرسوم المتحركة:

هي أفلام تعتمد على الصورة المرسومة، سواءً كان الرسم يدوياً – كما كان من قبل- أو بالحاسوب. وتتحول من الصورة الجامدة إلى المتحركة عبر آلية خاصة تسمح بأن يمر أمام العين في الثانية الواحدة من 16 إلى 24 صورة، فساعتئذٍ تبدو الرسوم متحركة، فنرى أن اليد إرتفعت مثلاً، أو سار الشخص..

هذه الرسوم الكرتونية مَكَّنَتهم من تجاوز آفاق كثيرة لا يَسمح بها الواقع، فالشخص لا يستطيع أن يطير، ولا تستطيع التفاحة أن تتكلم، لكن في أفلام الكرتون تستطيع التفاحة والموزة أن تتكلما..

فكان الكرتون فضاء واسعاً للإنتقال بخيال الطفل، وإخصابه، كما كان مجالاً واسعاً جداً لتجسيد القضايا النظرية للطفل، لأن تفكير الطفل ماديٌّ.

فمثلاً إذا حدَّثتَ طفلاً صغيراً عن الله، وعن صفاته وقدرته.. ترى هذا الطفل يسألك: هل الله مِثلُك له لحية.؟!! تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً..

فلضعف التفكير التجريدي لدى الطفل يبدأ يُجَسِّد حتى الله عز وجل، ويمكن القول بأن الفكر المادي فِكرٌ بدائيٌ أوليٌ من أوليات الثقافة البشرية..!

فالكرتون هو البَريد الذي يستطيع أن يُقرِّبَ للطفل هذه الأشياء البعيدة، فالمعاني المجردة التي لا يمكن أن يتصورها الطفل يمكن أن نصورها له عبْر الكرتون، فرسوم الكرتون قد أعطتنا فسحة أكثر سعة من التصوير السينمائي وما جاء بعده من أجيال آلات التصوير.

تعود صناعة أفلام الكرتون إلى العقد الثالث من القرن العشرين تقريباً، عندما بدأت شركات قديمة ترسم بطريقة أولية ومجهدة، وأخذت تنشر وتروّج شخصيات معينة عبْر أحداث درامية، كشخصية باباي التي يزيد عمرها على سبعين سنة، وشخصية توم وجيري التي ولدت عام    1946 وعمرها الآن أكثر من ستين سنة..ولم يكن الكرتون للصغار فقط، بل كان للصغار والكبار معاً، ومازال كذلك إلى الآن في كثير من الدول.

أما في ثقافتنا فأفلام الكرتون للأطفال وليست للكبار..!

على كل حال نحن نقرأ في هذه العجالة أثر أفلام الكرتون في الصغار.

أثر أفلام الكرتون في أطفالنا:

ليس من الإنصاف أن نعطيَ حكماً واحداً لأفلام الكرتون بأنها سيئة أو جيدة، لأنها تتراوح بين الحسن والسوء..

لذا سنحرص على أن نبين ما لأفلام الكرتون من سلبيات وإيجابيات، وسنبدأ بالآثار السلبية..

الآثار السلبية لأفلام الكرتون:

تعددت سلبيات أفلام الكرتون وكانت كثيرة جداً، ويمكن أن نجمعها في الجوانب الآتية:

1= ما كان متجهاً إلى الأخلاق مباشرة.

2= ما كان متجهاً إلى الهوية.

3= ما كان متجهاً إلى العقيدة.

4= ما كان متجهاً نحو الفطرة.

لقد أَثَّرت أفلام الكرتون سلبياً في الأخلاق، وأثرت في الهوية، ومثل ذلك في العقيدة والفطرة.

سبب الخلل في أفلام الكرتون:

قبل أن أتناول هذه الأمور الأربعة: الأخلاق والهوية والعقيدة والفطرة.. أود أن أبيِّن شيئاً في غاية الأهمية، وهو:

لماذا جاء هذا الخلل في أفلام الكرتون..؟

لقد جاء الخلل من أمرين:

الأول:

إن هذه الأفلام قد صُنِعت لغيْر بلادنا، وفي غير بيئتنا، ولثقافةٍ غير ثقافتنا، وفي مجتمعات تختلف عن مجتمعاتنا، صنعها اليابانيون، صنعها الأمريكان، صنعها الأوروبيون. وأكبَر مراسم الكرتون كانت في اليابان، ومِن قبلها كانت في شركات -تيرنر، وورنر، وحنا بربارة-في أمريكا، وشركة -والت ديزني- في الفترة الأخيرة.

هذه الشركات كلها غير عربية، وأفلام الكرتون تُحاكي ثقافة أصحابها، فهي لحاجات الإنسان الغربي، لحاجات الطفل الغربي، لحاجات البيئة الغربية، لحاجات الثقافة الغربية..

ولا يخفى أن بيننا وبينهم خلافاً ثقافياً، ولاسيما في كون الوحي أحد مصادر المعرفة في ثقافتنا الإسلامية، بينما لا نجد للغيب مكانة في بنائهم المعرفي، وأعني بالغيب غيب الأديان، وغيب الوحي، وقد إكتفوا بالتجربة والحس مصدراً وحيداً للمعرفة، فابتكروا العَلمنة في بلادهم وأعلنوها مرجعية ثقافية لأجيالهم.

ولاشك في أن العلمانية قد قدمت لهم أشياء كثيرة، ولكنها لم تقدم لنا ما قدمته لهم، لأنهم كانوا بسبب إستبداد مفاهيم الغيب غير الصحيح في حاجة إلى الإعتماد على منهج حسي، إضافة إلى تصحيح مفاهيمهم الغيبية، ومن أجل هذا قدمت لهم العلمانية شيئاً جديداً، لا لأنها المنهج الأمثل، بل لكونها تخلصهم من إستبداد فكر غيبي مغلوط.

وأما مجتمعاتنا الإسلامية فعلى الرغم من تخلف معظمها لم تكن تعاني من إنكار لمنهج الحس والتجربة، وإن لم تكن بارعة فيه، ولم تكن تعاني من تسلط مفاهيم الغيب الخرافي، بل كانت تصدر في معظم أحكامها الغيبية عن غيب الوحي، لذا لم تظهر عليها الحاجة إلى العَلمانية، مع أن بنياننا الثقافي قد تغرَّب بسبب بعد أكثر المجتمعات الإسلامية عن المفاهيم المعرفية الإسلامية، الأمر الذي يستدعي حصول تصحيح فكري في عقل الأمة وبنائها المعرفي، ولا شك في أن العَلمانية ليست هي الحل، ولا الحاجة أو الضرورة المعرفية.

لقد انعكست هذه القضية على جوانب حياتنا بالجملة، ومنها الآثار السلبية لأفلام الكرتون، فهذه الأفلام قد صُنعت لهم لا لأولادنا..

الثاني:

إن الكثير من المؤسسات التي إهتمت بدوبلاج الكرتون، وتعريبه، لم تُعرِّبِ الأخلاق.. إذ يأتي الفيلم كما هو في بيئته، وتقوم الاستوديوهات في المنطقة العربية بعملية الدبلجة، أي: إضافة صوت عربي بدل الصوت الغربي، وتكون مهمتهم أنهم عربوا الصوت ولم يعربواالأخلاق ولا الفكرة.. فلا تزال تغزونا هذه الأفكار..

فالخلل جاء من ناحيتين: المنشأ بداية، ثم من عملية الدبلجة والتعريب التي كانت قاصرة.. كانت غير دقيقة.. كانت مشوهة في الغالب..لذلك نجد ما نجده من التناقضات عامة.

دور أفلام الكرتون السلبي في الأخلاق:

أ) التعري:

ذكرنا فيما سبق أن أفلام الكرتون تمثل بيئة غير بيئتنا، وتحاكي الظروف الاجتماعية لتلك البيئة، وحالة التعري المنتشرة في الغرب إلى درجة أنها صارت عرفاً لديهم، هذه الحالة لاتجد لها أصولاً في منطقتنا.

ومهما إنفتحت المنطقة العربية والإسلامية فلن تصل إلى حالة التعري التي في الغرب، وستبقى محصورة في وسط معين لا يمكن أن تتجاوزه، أما في الغرب فهي بلا حدود..!!

هذا العرف الغربي إنعكس في أفلام الكرتون على بصورة واضحة، وسأعرض لبعضٍ من التطبيقات المشهورة فمن ذلك:

1- المسلسل المشهور -ساسوكي- الذي حمل مشاهد كثيرة من التعري، فهو ينسجم وثقافتهم العَلمانية لينقل حياة الحمامات كما هي إلى الأطفال.

2- المسلسل -فلنستون- الحجريون أيضاً يحاكي نفس القضية، في لباس شخصياته وحركاتها، فهو متناغم مع البيئة التي أنتجته، ولا يتوافق مع واقعنا..

3- المسلسل -موكا موكا- فقد عرض لمشاهد فاضحة من الإثارة، ولست أشك في أنه قد تجاوز حدود المقبول إجتماعياً حتى في بلد منشئه.

ومن الجدير بالذكر أن خطاً من خطوط إنتاج الأفلام الجنسية الإباحية أصبح يعتمد على أسلوب الرسوم الكرتونية، وله شركات متخصصة ترعاه.!

ب) علاقات الصداقة:

وأعني بها ما يسمى علاقات الحب -friendboy-، وهذا النوع من العلاقات بين المراهقين والمراهقات قد إنتقل إلى كثير من المجتمعات العربية والإسلامية، وربما صار ظاهرة إجتماعية في بعض شرائح المجتمع، ولو تحت أسماء أخرى.

والتربويون في المدارس يحسون بآثار ذلك السلبية على الطلبة والطالبات، ولاسيما في المدارس المختلطة.. وهذا لاشك من آثار الغزو الأخلاقي.

إنَّ تركيبنا الاجتماعي يختلف عن الغرب تماماً، فنحن لدينا نوع من الإنضباط الأخلاقي، ولست أقول إن الغرب ليس لديه أخلاق، إن لديه أخلاقاً وقيماً، وهذا أمر يقيني، ولكن منظومته الأخلاقية تصدر عن رؤيته وتصوره، تماماً كما أن لنا منظومة أخلاقية تصدر عن منظورنا ومفهومنا، الذي ينطلق من منهج الغيب، الذي يضبط سلوك الإنسان وعلاقته مع الإنسان، وعلاقة الإنسان مع الله، والإنسان مع الكون، والإنسان مع الحياة..

وأساس الخلاف بين الرؤيتين أننا بوصفنا مسلمين نؤمن بمنهج الشهادة -المحسوس، المادي- إضافة إلى منهج الغيب، بينما لا يؤمنون هم إلا بمنهج الشهادة، وهذا المنهج يَنْظِم العلاقة بالمادة، ولا يستقيم ذلك أن يكون مرتكزاً للرؤية الأخلاقية، لأن الأخلاق قضايا نفسية.. قضايا وجدانية.. وهي لا يمكن أن تضبط بالمنهج التجريبي، إنما ينظمها منهج الوحي، ومن هنا أصبح بيننا وبينهم تباين في الرؤية، لأنهم بَنَوا تصورهم للتربية الأخلاقية، والتربية الجنسية على أساس من المبادئ والمنطلقات المادية.

ومن الأعمال الكرتونية التي تظهر فيها علاقات الحب جزءاً أساسياً من تركيبها الدرامي الأعمال الآتية:

1= كرات التنين -دراغون بول- يقوم العمل على علاقات حب غرامية تفسد الأطفال.

2= كونان المحقق الشهير أيضاً يقوم على علاقة غرامية تشكل قصة رديفة لقصص التحقيق المشوقة.

3= البوكيمون، قبل الحديث عن العلاقات الغرامية في هذا العمل ينبغي أن أعلق على ما تناقله الناس من الشائعات حوله، فقد شاع أن أسماء أبطال العمل هي ألفاظ من الكفر، وأنها شتمٌ لله سبحانه وتعالى باللغة العبرية!! وهذا غير صحيح، ولا في أي لغة من لغات العالم!!

إن كلمة بوكيمون تعني وحش الجيب، وهي مشتقة من بوكيت مونستر، بوكيت= جيب، مونستر= وحش فأخذوا نصف الكلمة الأولى ونصف الأخرى وجمعوهما، وقالوا: بوكيمون، ومثل ذلك مسلسل ديجيمون الذي يعني ديجيتال مونستر أي: وحوش الديجيتال، وشركات الدوبلاج عربته وسمَّته أبطال الديجيتال..

لقد أثار هذا العمل منافسة تجارية بين شركة سوني بلاي ستيشن الشركة التي صنعته ونجحت إقتصادياً، وشركة أخرى يملكها رجل أعمال يهودي تضررت بهذا العمل هي والت ديزني، فأرادت أن تقف في وجه نجاحه، فأشاعت حوله هذه الشائعات.

إنني أعلم أن البوكيمون ليس لنا في الأصل، ولا يناسبنا.. وأنا لا أشجع هذا العمل، ولكنني أريد أن أتكلم بموضوعية:

إن قصة هذا المسلسل نبعت من حاجة لدى صانعيه، فالجميع يعلم أن اليابان خرجت مهزومة بعد الحرب العالمية الثانية، ومُنعت من العناية بالجيش والجوانب العسكرية، ومع تقدم الزمن خشي اليابانيون أن تموت الروح العسكرية عندهم، لأنها إذا ماتت فالمفاهيم الوطنية تموت معها، إذ لا يوجد جيش يحمي الوطن بالمعنى الدقيق، بل جيش للخدمات الإنسانية فقط، جيش مع الأمم المتحدة، مع الطوارئ.. فخاف اليابانيون أن تضعف عملية الولاء للوطن، فابتكروا البوكيمون..

والبوكيمون يقوم على أساس إستثمار اليَرقات في الطبيعة، وتحويلها إلى أسلحة، وكأنهم يقولون: إذا منعتنا أمريكا من الأسلحة فنستطيع بقدراتنا العلمية واهتمامنا بالهندسة الوراثية أن نصنع أسلحة من اليَرقات الموجودة في الطبيعة..

هذه فكرة البوكيمون.. وهي فكرة تخدم عملية التربية الوطنية في اليابان.

والعجب أن تصدر الفتاوى، ويتورط المشايخ والعلماء، ويقولوا: البوكيمون فيلم يهودي..!!

وحقيقة الأمر كما بينت أن هذا العمل أصبح ينافس شركة والت ديزني وهي شركة أمريكية، فقامت بعمل دعائي ضد شركة سوني، فأشاعت في العالم كله أنه ضد الدين، ومع العلم أنه فيلم فيه ثقافة بوذية، ولكنهم أشاعوا في الهند أنه ضد البوذية، وقد رأيتُ في النسخة الأصلية الكثيْر من العبادات والطقوس البوذية، التي امتلأ العمل بها، فهو فيلم فيه عبادات بوذية، ومع ذلك كانت الشائعة في الهند أنه ضد البوذية، وكانت الشائعة في أمريكا أن هذا ضد المسيحية، وكانت الشائعة عندنا أن هذا ضد الإسلام.. وأنه فيلم يهودي..!!!

وأما ما يتعلق بالفساد الأخلاقي في هذا العمل فهو كثرة ما فيه من العلاقات الغرامية، وهذا في حقيقة الأمر له مسوِّغاته عند اليابانيين، فإن لدى اليابان مشاكل إجتماعية، منها شدة حياء الذكور، قياساً على الإناث.! فالعملية عندهم معكوسة، فالذين يستحيون هم الذكور، فكان لابد من إقامة علاقات تكسر الحياء لدى الذكور، وقد رأيتُ العملَ قبل أن يُسوَّق، وكان فيه قضايا صارخة في العلاقات الجنسية بين الذكور والإناث، والإناث هن اللاتي يشجعن الذكور على هذه العلاقات.!!

فهذه الجرأة من الإناث تخدم نوعاً من التوعية التربوية حسب تصورهم، لذلك قاموا بزيادة جرعة جرأة الفتيات على الشباب، من أجل أن يتنشط الشباب ويكونوا أكثر تجاوباً مع الإناث، فهذا ما يتصورون.!!

فإذاً هم يحلون مشكلاتهم فيما يتصورون، وحسب ما يرون، ولم يدخلونا في حسابهم أصلاً.

إن المشكلة ليست في البوكيمون، ولا فيمَن صنعه، ولا من صنع غيره من الأعمال التي ننتقدها، بل فيمن يعرضه على حاله كما جاء من بلد المنشأ، فهذا العمل ونحوه لم يُوجِّهْه صانعوه لنا، ولكننا بسبب إفراطنا في الإيمان بنظرية المؤامرة نتصور أن العالم متوجه إلينا يريد أن يغزونا في الأخلاق.. وحقيقة الأمر أن أكثر مَن في العالمَ بشكل عام لا يحسون بوجودنا.

إننا في حاجة إلى أن نوجد حلاً لمشكلة إعلام الطفل، وعلى رأس ذلك إيجاد الكرتون المحلي البديل.

دور أفلام الكرتون السلبي في الهوية:

نقصد بالهوية: السمة العامة للأمة، ولا نقصد السمة السياسية، أو الإجتماعية، أو سمة فئة معينة، أو سمة عِرق، أو مذهب.. وإنما نتكلم عما يُعبِّر عن هذه المجموعات كافة..

ولا أرى أنه يمكن لكل بيت من مجتمعنا أن يوسَم بصفة بقدر ما يمكن أن يوسم بالإسلام، ذلك أن الإسلام لا يعبِّر عن الدين فقط، الإسلام دين للمتدينين من أتباعه، والإسلام ثقافة لهم أيضاً، ومعظم من عاش في المنطقة الإسلامية ثقافته إسلامية شاء أم أبى، ومهما كان الأمر، ففي مخزونه الثقافي يكتنز مفردات الثقافة الإسلامية، بتاريخها وأدبها وحضارتها، شاء أم أبى، ولو كان متأثراً فكرياً بالغزو الثقافي الوافد من خارج البلاد..

فالإسلام يُمثل بالمجموع ثقافة وديناً، للمسلم ديناً وثقافةً، ولغيْر المسلم حضارةً وثقافة..

ومن أهم آثار أفلام الكرتون على الهوية ما يأتي:

أ= التمرد على القيم:

يُمثل التمرد على القيم جزءاً من الثقافة الغربية، فكل جيل ينبغي أن يتمرد على قيم الأجيال السابقة، حتى تتصارع البشرية وتسير في الاتجاه الصحيح، حسب ما يتصورون، وهكذا يرون الحياة.

وقد إنعكست هذه الفلسفة على صناعة الكرتون، فتجد في كل أفلام الكرتون تقريباً إشارة إلى التمرد على القيم السائدة، لأن الفضيلة الأولى في الغرب هي الحرية، أما في بلادنا فالعدل هو الفضيلة الأولى، فبناء على ذلك لابد عندهم من التمرد على القيم، لأن الحرية تقتضي أن يتخلص الناس من كل قيد، ولو كان قيم الأمة..! وهذا الأمر لا يناسب بيئتنا، فنحن نقوم بتنميط أجيالنا على الفضائل، وننطلق في ثقافتنا وتربيتنا الإسلامية من الغيْريَّة، وليس من الذاتية، بينما هم ينطلقون من الذاتية، أي: أنا أولاً، وبعد تحقيق ذاتي أسأل عن الناس..

أما في التربية الإسلامية فالمهم أن تحس بغيرك، وآخر شيء أن تهتم بنفسك..فتربيتنا غيْرية، والتربية الغربية ذاتية.. فجاءت أفلام الكرتون، وغيرها من أعمال الميديا وفَتحت لنا خروقاً واسعة في التربية، بسبب ما تحمله من فيروسات الغزو الثقافي والفكري والإجتماعي.

ومن الأعمال التي ظهر فيها التمرد على قيم الأمة ما يأتي:

1- القناع -musk: فهذا العمل إنتشر بين الأطفال وشاع، وهو يسيء إلى القيم، ففيه أشياء محرجة، مثلاً يصدر البطل أصواتاً منكرة، ويشمم الناس رائحة جواربه، ويقوم بأفعال فيها نوع من الحرج إجتماعياً، كإخراج الريح، وغير ذلك من الأفعال المحرجة إجتماعياً، فتجد هذا العمل يستخف فيها، ويحطم كل الحواجز.. وأنصح المربين ألا يتركوا أبناءهم يتابعون هذا العمل، على الرغم من كونه مضحكاً يُقَدَّم بثوب تهريجي جداً، لكن في النهاية يَنْكُتُ نكتاً سوداء في قلوب الأطفال، ويحطم القيم أيضاً..

2- ريمي: فيه أيضاً تحطيم للقيم، فالأسرة في قيمنا أهم لبنة إجتماعية، وريمي الذي يبحث عن أمه بكل ما يستطيع، ويعرض المسلسل أحداثاً مأساوية تواجهه في سبيل ذلك، وعندما يلتقي بها يتركها، ويبحث عن شيء جديد.. فأين قيمة الأسرة؟! وإذا كان طوال الحلقات يبحث عن أمه، ثم عندما يجدها يعرض عنها.. فما الذي يبحث عنه إذاً..؟؟  إنه يبحث عن شيء آخر، سأذكره بعد قليل..

ب) ترسيخ حق اليهود:

في الشهر الرابع عام1996صدرت مقالة في أمريكا بمناسبة مرور خمسين سنة على تشكيل توم وجيري، وهما شخصيتان أنتجتهما شركة تيرنر اليهودية، وقال كاتب المقالة اليهودي: صَنَعْنا توم وجيري، لأننا كنا نريد أن نُكرس حق اليهود في فلسطين.

إنهم يريدون من وراء توم وجيري أن يُروِّجوا لقضية حق اليهود في فلسطين، وذلك من خلال التأثير على اللاشعور، فكل الناس يُفضلون صاحب البيت، ولا يفضلون الوافد، وهم أرادوا المشاهد باللاوعي أن يتقبل الوافد ويقدمه على صاحب البيت، وما الذي يربيه الناس في بيوتهم، القط أم الفأر..؟

طبعاً القط، لكن أرادوا أن يقدموا الفأر بصورة أفضل، ماكر، ذكي، شيطان، عفريت، يصنع المقالِب بصاحب الأرض، الذي هو القط، وحتى أصبح أصحاب البيت يطردون القط.!!

فهم يريدون أن يكرسوا هذه القضية، وهذا من كلامهم، فقال: كنا نريد أن نكرس أحقية الوافد على صاحب الدار من خلال التركيز في اللاشعور على هذه القضية..

وأظن أنه يصعب أن يصل الشيطان إلى مثل هذا التفكير..!!

ج) البحث عن الأرض بصيغة الأم:

وهذه الفكرة من العقائد اليهودية التي تبث في أفلام الكرتون، ففي كتبهم الدينية: إن أمّكم الأرض.. يعنون بذلك الأرض المقدسة!!

لذلك كان الذي يبحث عنه ريمي الولد ليس الأم، بل الأرض، فكم من عام وهو يبحث عن أمه!!

بمبم: يبحث عن أمه، زينة ونحول: يبحث البطل عن أمه، بيل وسباستيان: يبحث عن أمه..

وعندما يلتقي معظم هؤلاء بأمهم الجسدية يتركونها.. إذاً مَن هي الأم..؟؟ إنها الأرض.!!

لقد كان هذا الأمر يُغرس في ثقافة أبناء الغرب، في اللاوعي، في اللاشعور، وهو الذي أسهم في صبغ العقل الغربي بالنزعة المتصهينة، أفرز المحافظين الجدد، فهم لم يأتوا من فراغ.

إنها تربية متأصلة عاشت عليها أجيال وأجيال، وطغت حتى وصلت إلى أن تكون صبغة للفكر والثقافة الغربية، وإنعكست دعماً بلا حدود للدولة الغاصبة في فلسطين المحتلة، فليس الأمر كما نتصوره ببساطة، لا.. إنه عمق تربوي، قد ضرب جذوره في أصل العقل الغربي، يتجاوز التصرفات الإنطباعية، وأظن أن من عنده هذا التخطيط العميق سيسود..

دور أفلام الكرتون السلبي في العقيدة:

من المنطقي ألا تنسجم أفلام الكرتون مع العقيدة الإسلامية، لأنها صدرت عن قوم يحاكون عقائدهم وأديانهم، وهم ما بين يهودي ونصراني وبوذي، إلا أن معظم الشركات المتخصصة في الكرتون شركات يملكها يهود، ولاسيما المشهورة منها، مثل: والت ديزني، ورنر برذر، تيرنربرذر، كل هؤلاء الشركات يهودية، وحتى محطةCnn، وكذلك محطةFoxالمشهورة، وهي جملة محطات، منها إخبارية، ومنها محطة أطفال، وهي متصهينة تكاد تكون إسرائيلية..

إن دور اللوبي اليهودي في صناعة الكرتون والإعلام بالجملة لم يعد خافياً، كما أن النسبة الكبرى من صناعة الإعلام هي في الغرب، وهذا ما يفسر ظهور أثر العهد القديم في أفلام الكرتون، كالإله يهوا مثلاً، الذي ورد ذكره كثيراً في التوراة.. وهو رب اليهود كما يزعمون، وهو عبارة عن شاب أمرد وسيم، جميل، خارق القدرات، وهو ما يعبِّر عنه بـ سوبر مان، فهذه الشخصية تمثل هذا التصور العقدي عند اليهود.!!

وليس الحديث عن دور اليهود في الإعلام ضرباً من نظرية المؤامرة التي يعلق عليها العرب والمسلمون كل إخفاقاتهم، بل إن ذلك حقيقة يعرفها كل من عمل في حقل الإعلام، وهي من الوضوح إلى درجة البداهة لدى المتخصصين.

ولابد من بيان أن أثر أفلام الكرتون في العقيدة ليس محصوراً في الأعمال التي تصنعها الشركات اليهودية، بل في الأعمال اليابانية وغيرها.

ومن أهم آثار أفلام الكرتون على العقيدة:

أ) تعدد الآلهة:

من الأمور الإعتقادية التي تتنافى مع ديننا الحنيف تعدد الآلهة، وهي من الوثنية التي جاء الإسلام ليحاربها، وقد ظهر تعدد الآلهة في بعض الأعمال الكرتونية مثل: بوكاهانتس، هيفي كروكت.

وتصدر هذه الوثنية عن ثقافة إغريقية بعيدة كل البعد عن ثقافتنا، وتخالف عقيدتنا، وتصورنا الإسلامي. وخطورة هذا النوع من الأفلام والمسلسلات أنها تغرس في نفس الأطفال والناشئة أن هناك من يتصرف في الكون من الأبطال، والملوك والعباقرة غير الله عز وجل، فضلاً عن العبث بفطرتهم الإيمانية.

ب) تشويه القَدر:

إن عقيدة الإيمان بالقَدر من أصول الدين، ومقصود التربية الإسلامية أن تزرع هذه العقيدة مع بقية أركان الإيمان، ولكن بعض مسلسلات الكرتون تشوِّه ذلك، من خلال بيان أن القدر ضد الضعفاء من البشر.!! والمشكلة في ذلك أن هذا العبث في مفهوم القدر ينعكس على أصل الإيمان بالله، لأن الطفل سيتشكك في عدله، وصواب أحكامه على عباده سبحانه وتعالى!!

وقد تجسد تشويه القدر في مسلسل ريمي، فكلما يوشك ريمي أن يصل إلى أمه تأتي الأقدار وتبعده عنها، ويقع في الظلم، ويموت معلمه، وتموت حيواناته الواحد تلو الآخر، ويتابَع من منطقة إلى منطقة.. وقد قام الراوي في النسخة المدبلجة إلى العربية بدور في غاية السوء، ففي كل مرة يقع فيها ريمي في مصيبة، يقول المعلق: ومازالت الأقدار تتابع ريمي.. وكأن ربنا عز وجل ضاقت رحمته بـ ريمي، ومعلوم أن الطفل المشاهد يحب ريمي، وبالتالي سيحقد الطفلُ على الله عز وجل..!!

إن ما سبق ذكره تمثيل بسيط للغاية للخطر على إعتقاد أطفالنا، ولا يتوقف الدور السلبي لأفلام الكرتون على العقيدة فيما سبق فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى أكثر مما يتصور القارئ، وحسب ظني أرى أن الموضوع يستحق أن تكتب فيه رسائل جامعية، تتناول كل واحدة منها زاوية من زوايا العقيدة، لأن المادة الإعلامية غنية جداً في موضوع البحث.

دور أفلام الكرتون السلبي على الفطرة:

نعني بالفطرة الإمكانات والقدرات والمؤهلات التي وهبها الله لهذا المخلوق، وكان مزوداً بها لمّا خُلق، فهي بمثابة المسلَّمات لديه..

هذه المسلمات التي خُلق الإنسان وهي معه تمثل الفطرة، ومن ثَمّ فإن أفلام الكرتون قد أحدثتْ أثراً سلبياً في فطرة الأطفال، وسأتناولها واحدة واحدة..

الفطرة عنصر جمعي للبشر كافة، فربنا عز وجل جَمَعَنَا بالفطرة، فبين البشر قاسم مشترك: كلنا نحب الخير، نحب الفضائل، نكرم الإنسان الصالح، لا نحب الإنسان السيئ، نحب الله عز وجل، فما من أحد بينه وبين الله خصومة في الأصل، إلا ما يتوافد على النفس فيما بعد، لذلك تشكل الفطرة ممالاً نحو الإيمان.

إلا أن أفلام الكرتون قامت بدور العبث بالفطرة، الأمر الذي يهدد المخلوق البشري في صحته النفسية، ويوقعه في صراعات مع نفسه وغيره، بدءاً من قوى الطبيعة التي خلقت له ومن أجل خدمته.

وقد تجلى هذا الدور السلبي في الأمور الآتية:

أ) العنف:

العنف يُضعف مكامن الحس الجمالي لدى الإنسان، وينمي فيه غرائز العدوان، وتعد الولايات المتحدة أكبر مسوِّق للعنف في أعمالها الفنية، سواءً الكرتونية أو الحقيقية، والسبب في ذلك أن ساستها يريدون أن يشكلوا قوة عسكرية، ومن هنا أخذت أمريكا تُوجِّه أبناءها نحو العنف بشدة، لأنها تريد منهم أن يروا كيف يسيل الدم ولا يتأثرون، لأنها تطمح أن تكون أمة عسكرية، وقد علمتها فيتنام أنه ينبغي أن يُربَّى الشعب تربية يحتمل هذا العنف الشديد، فإصطبغ ذلك في معظم أفلامهم، والمتابع للدراما الأمريكية يجدها دراما عنف، بينما يَضعف ذلك في الدراما الغربية، ولاسيما الدراما الفرنسية التي تغلب عليها النزعة الإنسانية.

لقد صدَّرت لنا أفلام الكرتون الأمريكية العنف، وتبعتها الأفلام اليابانية، فصارت معظم الأعمال تقوم على العنف أو تمجده، وسبب إعتماد الأعمال اليابانية على العنف، من أجل ألا تموت الروح المعنوية لديهم، وهذا من آثار الحرب العالمية الثانية.

ومن الأعمال التي قامت على العنف ما يأتي: أبطال الديجيتال، القناص، النمر المقنع، ميغا مان، باتمان، إكس مان.

هذه المسلسلات والأفلام وغيرها تشجع على العنف والبطش الشديد، وهو أمر خطير جداً على الأطفال، ولاسيما إذا قُدم لهم على أنه سلوك الكبار، فالطفل مولع بمحاكاة الكبار في سلوكهم، ويؤسف أن يسقط عام 1993 في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها سبعة آلاف طفل يقتلهم أصدقاؤهم بعيارات نارية، أي: بمعدل 20 طفل يومياً، طفل بالمرحلة الابتدائية سرق مسدس أبيه، وجاء إلى المدرسة، وقتل أحد زملائه.!!

فمن أين جاء هذا السلوك الشاذ.؟!

إنها ثقافة العنف، التي مجدتها الأعمال المنتجة خصيصاً للأطفال.!!

حقاً إننا نحس بخطر محدق بأبنائنا..

ب) العبث الفطري:

من الأثر السلبي للكرتون على الفطرة ما يمكن أن أسميه: العبث الفطري، وأعني بذلك تشويه الفطرة السليمة التي خلق الله الإنسان عليها، ووجود الفطرة من أهم عوامل إجتماع البشر، ولاسيما عندما تقع بهم الأزمات وتحيط بهم الأخطار.

والبشرية الآن بحكم الضغط العالمي، والأسلحة الذرية والجرثومية.. أصبح الإنسان يخشى من نفسه.. أصبح العالم يخاف من إمتلاك بعض الناس الأسلحة ليحدثوا خللاً عالمياً، فدخل الرعب قلوب الناس جميعاً، فنتج عن ذلك نوع من التآلف الإنساني، نوع من التوجه نحو الأخوة الإنسانية على مستوى الشارع، ولا أتكلم على المستوى السياسي، بل على مستوى شعوب العالم بما فيها أوروبة، ومما يدل على ذلك أن أكبَر مسيرة ضد الحرب على العراق عام 2003 خرجت من بريطانية، ولم تخرج قط في بريطانية بعد الحرب العالمية الثانية مسيرة بحجم المسيرة التي خرجت ضد الحرب على العراق، وقد قُدِّر من كان فيها بمليوني إنسان خرجوا في لندن ضد بلير وحرب العراق!! وأيضاً خرج حوالي نصف مليون إنسان في أمريكا في سان فرانسيسكو..

إن هذا في الواقع تقارب إنساني لا نستطيع أن نتجاهله، على الرغم من الصراع التاريخي ما بين المسلمين والغرب منذ قرون طويلة.. دعك من الساسة والسياسيين وأوساطهم، فأنا أتكلم عن حركة الشعب، هذا التقارب الإنساني سَبَبُه خوف الإنسان من نفسه، ومعلوم أن حالات الحروب تجمع الناس، فعندما تصفر صفارات الإنذار نجد أن أبناء العم المتحاربين ينسَون همومهم والمشكلات العالقة فيما بينهم بعضهم مع بعض، ويصبحون أكثر تقارباً..

وكيف يمكن لمن لا يروقهم تقارب البشر، ولمن يحيون على الحروب، أو يؤمنون بضرورة الصراع الحضاري أن يحولوا دون هذا التقدم في العواطف الإنسانية..؟

الجواب: بالعبث الفطري..

وبالفعل بدأ ذلك بتشويه المخلوقات، فمثلاً لنتصور الطفل الذي يركب الأرجوحة ويلهو بسعادة، ثم يتفاجأ بأن الأرجوحة تتحول إلى مخلوق يضمه ويخنقه.!! لنتصور الأثر السلبي على توازنه النفسي..!!

لا شك في أن هذا الولد لن يتعرض في الليل للكوابيس فحسب، بل سيصاب بالتبول الليلي اللاإرادي.. وسيصاب بإنفصام في الشخصية.. وربما سيصاب بالهلوسة.. وكل ذلك بسبب هذه الأفلام.!!

فإذاً عندما يتم العبث بالفطرة، لن يثق الطفلُ بالمقعد الذي يجلس عليه، ولن يثق بالسرير الذي ينام فيه.. وستصبح الشجرة الجميلة مصدر رعب له.. وكذلك ستصبح الأرجوحة التي هي محل تسليته وترفيهه.. وعندمت تتحول اليَرقات الصغيرة إلى كائنات مخاطية هلامية تريد أن تقضي على البشر جميعاً، سيكره الطفل الفراشات واليعاسيب و...

ومن العبث الفطري أن تتشوه صورة الأبطال في الذهن..

مثلاً لو طلبنا من الجميع أن يتصوروا خالد بن الوليد، أو طارق بن زياد فهل يوجد أحد يتصوره شخصاً أعور، أو يتصوره في حالة جسدية غيْر جيدة..؟!!

لا.. بل سنتصوره وسيماً جميلاً، فمن طبيعة البشر -ولاسيما الأطفال- أن يتصوروا الخيِّرين والأبطال بصورة إيجابية جميلة..

ولو طلبنا من الجميع أن يتصور شخصية سيئة، كأبي جهل، وأبي لهب، أو هتلر، أو هولاكو، أو جنكيز خان..ستكون الصورة بشعة.

إن الفطرة قريبة من أن تقرِنَ الجمال بالخيْر والقبح بالشر، فتأتي أفلام الكرتون السيئة فتجعل الأبطال الإيجابيين بصورة بشعة، والأبطال السلبيين بصورة جميلة جداً..

والطفل يحب الخير ويَكره القبح، وهذا البطل الخيِّر قبيح.. فهل يكره الخير من أجل قبحه..؟ قد يحصل ذلك للأسف..!!

والطفل يحب الصورة الجميلة ويكره الشر، وهذا البطل الشرير السلبي في صورة جميلة جداً، فهل سيحب الشر من أجل جماله..؟ قد حصل ذلك.

ومن ذلك إكس مِن وظهر الأبطال الخيرون فيه بصورة قبيحة بشعة جداً، ولهم مظاهر مرعبة جداً، ولهم عين واحدة.. وظهر الشرير بصورة امرأة جميلة ومثيرة جداً..

وفيلم داي الشجاع وسبايدر مان فيه شيء من ذلك، وفي البوكيمون ظهر الشريرون بصورة فتاة جميلة، شعرها مصبوغ بلون أحمر، وتصعد إلى السماء، وهذه فكرة سيئة، لأن السماء مكان للخيْر، فكيف يصعد الشر إلى السماء، فهو ينبغي أن يكون في باطن الأرض.. هذا هو القريب في النفس، فهذا لا شك عبث..

وأخيراً..

إن الجوانب السلبية لأفلام الكرتون لا تقف عند حد ما ذكرنا، بل تتجاوز ذلك إلى مجالات أخرى لم أذكرها، لأن مقصود هذه العجالة التنويه على أخطار الكرتون وإيجابياته، وليس استقصاء السلبيات، فعلى الإخوة المختصين بإعلام الطفل وأدبه أن يُعملوا أقلامهم وأذهانهم في البحث في هذا المجال بصورة استقصائية، مع إيماني بأنه من العسير أن نصل إلى نهاية لهذا الأمر مادامت شركات الكرتون تفاجئنا كل يوم بجديدها..

الجوانب الإيجابية لأفلام الكرتون:

أما الجوانب الإيجابية فهي كثيرة، وقد لا نستطيع أن نختزل أفلام الكرتون في الكلام السابق، فهناك أيضاً أثر إيجابي لأفلام الكرتون على الأطفال، لابد من أن يُذكر هذا الأثر، وأن يُعزز، وقد جمعتُ أربع نقاط في هذا المساق، سأذكرها تباعاً وهي ما يأتي:

1= اللغة.

2= تنمية الحس الجمالي.

3= تنمية حب الاطلاع.

4= تعزيز القيم الإيجابية.

الأثر الإيجابي لأفلام الكرتون في اللغة:

يتجلى الجانب الإيجابي لأفلام الكرتون في اللغة في كون الدوبلاج قد اعتمد على اللغة العربية الفصحى، مع الإنتشار الواسع لأفلام الكرتون، الذي يسمح للعربية الفصحى أن تنتشر معه، وقد إختارت معظم شركات الدوبلاج اللغة العربية الفصحى، بإستثناء بعض الشركات اللبنانية سابقاً، والآن معظم الشركات المصرية تدبلج باللغة العامية، ولاسيما التي تدبلج أعمال الشركة الأمريكية والت ديزني فقد طلبت هذه الشركة الدبلجة باللهجة المصرية، ولا يخفى ما في ذلك من إضعاف للغة العربية الفصحى.

ولكي أقرب دور الأعمال الكرتونية في خدمة اللغة العربية أذكر ما حصل معي في الجزائر، فقد سألت بعض الأصدقاء الجزائريين السؤال التالي: كيف ترسخت العربية عندكم، على الرغم من الإستعمار الفرنسي الطويل لبلدكم، والتشويش على اللغة العربية..؟

فقالوا: السبب في ترسيخ اللغة كان لأفلام الكرتون.!!

وبالفِعل فإنا نجد النطق لدى الناشئ الصغير في الجزائر أصحَّ من نطق الكبار، والكبار يتكلمون كلمة عربية وكلمتين فرنسيتين، ويُصرِّفون الأفعال الفرنسية على طريقة الأفعال العربية، بطريقة طريفة تخلط ما بين اللغة العربية والفرنسية!!

أما النشء الجديد فعربيتهم ناضجة، والفضل في ذلك يعود لأمور عدة من أهمها أفلام الكرتون، فنرى الأولاد في الشارع ينادي بعضهم بعضاً قائلاً: يا محمد أقبل.. تعال.. هذا ما يفعله الأولاد في الشوارع، وهي ظاهرة بدت بصورة واضحة في أول الثمانينيات، فأفلام الكرتون كانت سبباً من أسباب ترسيخ اللغة، وقد أحسن صنعاً من إختار اللغة العربية الفصحى لعملية الدوبلاج.

وفي مجال الحديث عن إستعمال اللغة الفصحى في أعمال الأطفال، يجدر بي أن أشير إلى أولية العمل الخليجي المُعرَّب: افتح يا سمسم، الذي شكَّل مدرسةً للدوبلاج باللغة العربية الفصحى، فقد حدثني أحد أعضاء فريق الإعداد وهو الدكتور عبد الله الدنان عن الصعاب التي واجهتهم، في إختيار اللهجة التي ينبغي أن يُدبلَج بها القسم الغربي من البرنامج، فطرح هو اللغة الفصحى، ولكن معظم القائمين على العمل -وكانوا من الإخوة المصريين- قالوا: لابد من إختيار اللهجة المصرية، بوصفها لهجة مشهورة، ولأن الجميع يمكنهم أن يفهموها، فهي لهجة الإعلام العربي.

وبعد طرح عدة إفتراضات، ومناقشات طويلة إنتصرت فكرة أن تتم دبلجة القسم الغربي من البرنامج باللغة العربية الفصحى، ونجح -افتح يا سمسم- وكان مردوده على الأطفال واللغة العربية كبيراً جداً، إلى درجة أن أدعي أنه شكَّل مدرسةً للدوبلاج باللغة العربية الفصحى.

وفي مجال خدمة العربية الفصحى لابد من التنويه إلى أن بعض الشركات اللبنانية التي لم تهتم في تنقية أفلام الكرتون إهتمت باللغة العربية الفصحى، كما في شركة عبْر الشرق الأوسطى وهي التي دبلجت -ساسوكي- فهذه الشركة رَكَّزت على اللغة العربية مع أنها لم تركز على تنقية العمل من مشكلاته الأخلاقية ونحوها.

وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى دور قناة  Space toon والجزيرة للأطفال في تعزيز اللغة القويمة ونشرها في وسط الأطفال، ولاسيما أن أولادنا يجلسون لمشاهدة هاتين القناتين مدة ساعة، وإثنتين، وربما ثلاث ساعات، أو أكثر‘ ولست أثني على هذه المحطات بإطلاق، ففيها من المساوئ كثير، ولكنني أثني على ما فيها من حالة لغوية صحيحة.

فإذاً كان لأفلام الكرتون دور هام في تعزيز اللغة العربية، ونشر الثقافة اللغوية الصحيحة.

الأثر الإيجابي لأفلام الكرتون في تنمية الحس الجمالي:

لأفلام الكرتون دور مهم في تنمية الحس الجمالي لدى الأطفال، فقد أسهمت أفلام الكرتون في هذا المجال، من خلال اللون والكلمة.

أ) تنمية الحس الجمالي عن طريق اللون:

وذلك من خلال الألوان الزاهية المنتقاة لملابس الشخصيات، ومفردات الصورة الخارجية من أشجار ومنازل المدينة وشوارعها، أو مفرداتها الداخلية من أثاث منزلي ونحو ذلك، كما أن ظلال الشخصيات تعطي نوعاً خاصاً من الحس الجمالي..

وتتميَّز المدرسة اليابانية في الرسم بدقتها في إختيار الألوان، ومن يتابع أفلام الكرتون اليابانية فسيجد هذا المعنى واضحاً تماماً.

وأهمية الإثراء اللوني للطفل لا تحتاج إلى مزيد شرح، لما هو معلوم من حاجة الطفل إلى إغناء حاسة البصر، إذ ليس عنده خبْرة بصرية كافية، فيحتاج إلى إغناء الخبْرة البصرية، ولاسيما أن التمايز اللوني لديه ضعيف في السنوات الأولى من عمره، فهو لا يكاد يميز بين اللون الأصفر والبرتقالي مثلاً في سنته الثانية، ولا يميز بدقة ما بين رُتَب الأحمر، أو رتب الأزرق، أو رتب الأخضر.. فيحتاج إلى نوع من النصاعة اللونية، وأفلام الكرتون قدمت له في ذلك شيئاً مهماً.

ب) تنمية الحس الجمالي عن طريق الكلمة:

ومن القضايا الجمالية في أفلام الكرتون الأنشودة، والأغنية، ولاسيما أغنيات الشارات، فالكلمات المتميزة في الأغنية تثري الذوق الجمالي للطفل، وتجعل له أذناً سمَّاعة.. ويكمُل ذلك بالأداء الفني الجيد.

فمثلاً نجد جمال كلمات أغنية الشارة وحسن الأداء في مسلسل -صراع الجبابرة- الذي أدَّى أغنيته كل من طارق العربي طرقان وعاصم سكر، وكانت في غاية التميز.

فهذه الأعمال وأمثالها تزيد من الحس الجمالي لدى الطفل من خلال كلمة الأغنية، ومن خلال الأداء.

ومن الأعمال التي تميزت شارتها مسلسل مدينة النخيل، إذ نجد أن الكلمة لها معنى دقيق يُعبِّر عما يجول في ذهن الطفل، ويحاكي واقعه، ويلفت إنتباهه إلى جرس ممتع وجميل لغوياً..

كما تميزت أناشيد -سنا- في ذلك، وكانت مُوفَّقة إلى حد كبير، وكأن كاتب الكلمات يرسمها بريشة، لا يخطها بقلم..

وأخيراً.. وللإنصاف يصعب حصر الأعمال التي تميَّزت أغانيها من أفلام الكرتون، لأن معظمها قد أثبت نجاحه، ويكفي أن نسأل عينة عشوائية من الأطفال عن شارة بعض المسلسلات الكرتونية ونصغي إلى النتيجة.

الأثر الإيجابي لأفلام الكرتون في تنمية حب الاطلاع:

إن لأفلام الكرتون دوراً كبيراً في تنمية حب الاطلاع، وأهمية ذلك تتجلى في كون تنمية حب الاطلاع من حاجات الطفل المعرفية، لكي يتعرف على ما في هذا الكون، ولكن خبْرات الطفل محدودة، وهو يحتاج إلى خبْرات جديدة، فكيف لنا أن نوسِّع الباب أمام خبراته.؟

هنا يأتي دور أفلام الكرتون ونحوها من مصادر المعرفة لدى الطفل، فتفتح له نافذة نحو كشف جديد.

وثمَّ أعمال للأطفال تخصصت بمنح الطفل أفقاً معرفياً يلبي حاجته في حب الاستطلاع مثل: مدينة المعرفة، والرحالة المكتشفون، وباص المدرسة العجيبة، واسألوا لبيبة..

وأعمال كثيرة تخصصت في هذا المساق، أَثْرت معلومات الطفل، وفتحت له أفقاً علمياً واسعاً جداً..

وثمة أعمال غير كرتونية مثل الجغرافيا الوطنية، وهو برنامج وثائقي أمريكي معرَّب، ومسلسل بارني وأصدقاؤه الذي يعتمد على الدمى، وكذلك مسلسل افتح يا سمسم.. قامت بتلبية حب الاطلاع لدى الطفل.

ولاننسى الفواصل المتميزة التي تقدمها قناة Space toon، كالرابط العجيب، إضافة إلى الوقفات اللغوية المنثورة فيها، فقد كانت غنية جداً بالمعلومات، إلى درجة أن تعتبر منهجاً لاصفياً رديفاً للمنهج النظامي.

وفي هذا المجال علينا أن نثنيَ على ما تقدمه قناة الجزيرة للأطفال من كم معرفي هادف مدروس..

إن أفلام الكرتون وبرامج الأطفال قد أَثْرت إلى حد كبير الجوانب المعرفية لدى الطفل، وكانت سبباً مهماً في تثقيف النشء.

ومن هذه الزاوية أرى أن من الواجب على المختصين في شؤون تربية الطفل أن يفيدوا من الرسوم المتحركة في عملية التعليم، وأن يصمموا مناهج لاصفية متكاملة توضع إلى جانب المناهج المدرسية التقليدية، لأن أفق الرسم الكرتوني أوسع، مما يسمح بتطبيقات معرفية متعددة، ولاسيما عبر الفضاء الافتراضي الذي أتاحته الصور ثلاثية الأبعاد، فما بالك إذا أضيف إلى ذلك ما تحمله آلية الرسوم المتحركة من التشويق..

الأثر الإيجابي لأفلام الكرتون في تعزيز القيم:

لا يمكن إغضاء الطرف عما قامت به أفلام الرسوم المتحركة من دور إيجابي في تعزيز القيم الصالحة، فقد عززت غير يسير من القيم الأصيلة في مجتمعاتنا، قيم يمكن للإنسان أن يرتقي من خلالها، كتعزيز العلاقات والروابط الاجتماعية، والدعوة إلى حب الوطن، والحس الوطني

ومن هذه الأعمال:

1. أنا وأخي.

2. فادي.

3. صراع الجبابرة.

4. لحن الحياة.

كل هذه الأعمال عززت نوعاً من القيم، التي تسهم في أن يرتقيَ الإنسان من خلالها..

وبعد هذه الجولة المتواضعة في تحليل مزايا أفلام الكرتون لابد من أن أبين أن ما ذكرته كله كان بمثابة الاستشهاد والتمثيل، سواءً في السلبيات أو الإيجابيات.

ولو أحببت أن أطيل الحديث فيما يتعلق بهذا الجانب أو ذاك لتناولت الشيء الكثير، لكنني أستطيع القول كمقايسة نهائية:

لا تزال أخطار أفلام الكرتون أكثر من فوائدها..

ولاسيما أن إنتاج الكرتون صنعة غريبة، أو لنقل ضعيفة في بلادنا، والإحصاءات تدل على ذلك..

ففي عام 2000 كان إنتاج اليابان من أفلام الكرتون 22 ساعة أسبوعياً، والرقم السنوي لليابان بمفردها هو 1166 ساعة تقريباً..!!

وأما الدول العربية مجتمعة، ففي أحسن الأحوال، كانت لا تقدم أكثر من 12 ساعة سنوياً، ليس أسبوعياً..!!

فالنسبة بين إنتاجنا وإنتاج اليابان1 %،وهذه النسبة قد بُنيت على أحسن احتمال لإنتاجنا، وأسوأ احتمال لإنتاجهم، ناهيك عن فرق النوعية والجودة المتميزة في أعمال اليابانيين، وأفلام الكرتون المنتجة محلياً، البسيطة، التي تفتقد إلى الدقة، ومع ذلك فقد كانت نسبة إنتاجنا إلى إنتاجهم1 %..!!

حلول لهذه المشكلات:

نستطيع القول مما سبق إن المسافة في الإنتاج بيننا وبين الغرب كبيرة، والأمر يحتاج إلى الحلول الموضوعية المدروسة، وأقترح لذلك جملة أمور:

1. تطوير صناعة الكرتون:

إن تطوير صناعة أفلام الكرتون أمر مهم جداً، وقامت بذلك شركات عربية متميزة منها: -آلاء- وهي من الشركات السعودية القديمة في هذا المجال، وأقصد القديمة، أي: تنتمي إلى أواخر الثمانينيات، ومنها شركة -النجم- وهي شركة سورية تعمل في هذا الحقل منذ أكثر من عشر سنوات، ومنها شركة -تايغر برودكشن- وهي سورية أيضاً، والآن وُجدت شركات مصرية جديدة تُنتج الكرتون، وترسم الكرتون من البيئة كلياً..

ومن فضل الله قد إزداد الإنتاج الآن أكثر من ذي قبل، لكنه لا يزال لا يُغطِّي المحطات الفضائية، لأن كل محطة تحتاج يومياً إلى ساعتين أو ساعة على الأقل.

إذاً فالحاجة كبيرة جداً، ولذلك تضطر شركات الإنتاج الفني إلى عملية الدوبلاج، فتأتي بالأعمال الغربية بما فيها من سلبيات سبق ذكرها، ثم تقوم بدبلجتها إلى اللغة العربية..

2. توسيع دائرة إعلام الطفل:

وأقترح توسيع دائرة إعلام الطفل، من نشر كتب، ومطبوعات، وقصص ألوان، وتسالي، والقصص المصورة، والدراما، والأقراص اليزرية، والملتي ميديا عموماً..

فيجب أن يتوسع هذا الأمر، حتى نتدارك ثقافة أجيال المستقبل، فأطفالنا في أحضاننا، وقلوبهم وعقولهم في مكان آخر، إن النشء الواعد على خطر عظيم ما لم تتنبه مؤسسات التربية والتعليم والإعلام. ومع ذلك فلست متشائماً، لأن الآفاق ما تزال مفتوحة أمام النشء، وهي أمامهم الآن أفضل من الآفاق التي أتيحت لأجيالنا، لكن يجب ألا نغفل عمن يسيطر على ثقافتنا..

3. ترشيد فترات بث برامج الأطفال:

أقترح ترشيد فترات بث برامج الأطفال في المحطات التلفزيونية، وهذا الأمر يقوم به كل من المربين والمحطات نفسها.

أما المربون والآباء فبتقنين مشاهدة التلفزيون لأبنائهم، ومساعدتهم في اختيار ما يناسب أعمارهم، أو ينفعهم.

أما المحطات التلفزيونية فبتحديد ساعات البث، واختيار ما يناسب البيئة وثقافتها من الأعمال الفنية، إضافة إلى ضرورة مَنتجة ما يحتاج إلى مَنتجة من الأعمال غير المناسبة.

4. إحداث مراكز دراسات لتنمية الطفل:

أقترح لحل هذه المشكلة إحداث مراكز دراسات لتنمية الطفل، يقوم بها ويشرف عليها تربويون، ومتخصصون في الشريعة الإسلامية، واستشاريون في صحة الطفل، ومختصون في علم الاجتماع والإعلام..

وهكذا يُعنى مركز الدراسات المقترح بتنمية الطفل تربوياً وشرعياً وصحياً واجتماعياً وإعلامياً..

وبالتالي يؤهل هذا المركز لمتابعة ثقافة الطفل وإعداد ما يناسبه من دراسات في المجالات السابقة، ويمكن الإفادة منه في ترشيد الفضاء الوافد..

الكاتب: د. عماد الدين الرشيد.

المصدر: موقع صيد الفوائد.